مدونات - هل الاكتئاب وراثي؟ تأثير العوامل الجينية والبيئية على الصحة النفسية

apple-store
play-store
blog-image

هل الاكتئاب وراثي؟ تأثير العوامل الجينية والبيئية على الصحة النفسية

author

مؤلف استنارة

calender

03-June-2025

هل الاكتئاب وراثي؟ تأثير العوامل الجينية والبيئية على الصحة النفسية

سؤال واحد يراود الآباء والأبناء في كثير من الأحيان عندما يأتي الحديث حول الاكتئاب.. هل الاكتئاب وراثي؟ لذا، فمن المهم إلقاء نظرة عميقة على تأثر العوامل الجينية على الإصابة باضطراب الاكتئاب.

نسلط الضوء في هذه المدونة على الاكتئاب وأنواعه وأعراضه، إلى جانب التحدث بشيء من التفصيل حول الاكتئاب الوراثي، وتأثير إصابة الآباء والأمهات بالاكتئاب على تكرار نفس الشيء على الأبناء، وكيفية الوقاية ومواجهة هذا الأمر.

اكتشف المزيد عن الاكتئاب مع تطبيق استنارة - حمّله الآن.

هل تعاني من علامات اكتئاب

تحدث إلى خبير معتمد

ما هو الاكتئاب الوراثي؟ وما هي أنواعه وأعراضه؟

الاكتئاب هو اضطراب نفسي منتشر على نطاق واسع، يصيب الإنسان وينعكس على مشاعره وطريقة تفكيره وتصرفاته. لا يقتصر تأثير الاكتئاب على الجانب العاطفي فحسب، بل يمتد ليؤثر في نمط الحياة اليومية، إذ يشعر المصاب بثقل داخلي دائم وفقدان الشغف وتراجع في الطاقة. وقد يبدو له القيام بأبسط المهام وكأنه عبء يصعب تجاوزه.

ووفقاً لهذا، فإن الاكتئاب الوراثي يمكن تعريفه بأنه اضطراب نفسي يؤثر على جودة حياة الإنسان ويؤثر في أنشطته اليومية، ولكن مع وجود تاريخ مرضي عائلي للمصاب، إذ يجد المصاب أن أحد أفراد عائلته كان مصاباً بالاكتئاب في فترة من حياته، ولذلك يربط بين هذه الإصابة العائلية وبين إصابته الحالية.

إن فهم أنواع الاكتئاب المختلفة يُعد خطوة ضرورية نحو إدراك أبعاده والتعامل معه بشكل صحيح، خصوصاً إذا كان هناك تاريخ عائلي مع الاكتئاب. فالاكتئاب لا يُختزل في شعور مؤقت بالحزن أو الضيق، بل هو خلل نفسي يؤثر بعمق على حياة الفرد، ويتطلب تدخلاً مهنياً وعناية مستمرة لاستعادة التوازن النفسي والسلوكي. ومن أشهر أنواع الاكتئاب ما يلي:

  • الاضطراب الاكتئابي الشديد (Major Depressive Disorder): هو نوع الاكتئاب الأكثر شيوعاً، والذي يعاني فيه المصاب من حالة مزمنة من فقدان الاهتمام والحزن العميق، وتستمر أعراضه لمدة أسبوعين أو أكثر، وقد تتكرر النوبات على فترات متقطعة مدى الحياة.
  • الاضطراب الاكتئابي المستمر (Persistent Depressive Disorder): يُعرف باسم "عسر المزاج" ويستمر لفترات طويلة قد تصل إلى أكثر من عامين، وشدته أقل من الاكتئاب الشديد.
  • اكتئاب ما بعد الولادة (Postpartum Depression): يظهر لدى المرأة قبل وأثناء وبعد الحمل، ويتمثل في مشاعر مستمرة من الحزن وانعدام الاهتمام والإرهاق الشديد والقلق. يصيب واحدة من كل تسع أمهات جدد.
  • الاكتئاب ثنائي القطب (Bipolar Depression): يُعرف بالهوس الاكتئابي، ويتسم بظهور تغيرات مزاجية حادة يتنقل فيها المصاب بين فترات من الاكتئاب الحاد وحالات من الهوس أو النشاط المفرط.

أعراض عامة مشتركة بين أنواع الاكتئاب المختلفة

من العلامات الشائعة التي قد تشير إلى الإصابة بالاكتئاب:

  • اضطراب النوم، سواء صعوبة النوم أو النوم لساعات طويلة.
  • مشاعر الإحباط الدائمة والنظرة السلبية للحياة.
  • تغيرات الشهية الملحوظة، سواء فقدانها التام أو تناول الطعام بشكل مفرط.
  • شعور الحزن الغامر أو الإحساس الضيق الذي لا يمكن تفسيره بسهولة.
  • انخفاض ملحوظ في مستوى النشاط والطاقة اليومية.
  • آلام بدنية غير مبررة طبياً.
  • اختفاء الاهتمام بالهوايات أو الأنشطة التي كانت مصدر متعة سابقاً.
  • صعوبة التركيز وتشتت الانتباه والذاكرة.
  • الشعور بالتردد أو العجز عن اتخاذ القرارات حتى لو كانت بسيطة.
  • التفكير في إيذاء النفس أو ظهور أفكار انتحارية متكررة.

الاستعداد الوراثي للإصابة بالاكتئاب: نموذج الاستعداد للتوتر

تُظهر العديد من الأبحاث أن الاكتئاب لا ينتج عن سبب واحد فقط، بل إنه نتيجة لتفاعل معقد بين العديد من العوامل الوراثية والبيئية على حد سواء.

يرتبط الاستعداد الوراثي للإصابة بالاكتئاب بما يسمى نموذج "الاستعداد للتوتر"، والذي يشير إلى أن كل فرد يمتلك استعداداً وراثياً معيناً، ولكن لا تظهر الاضطرابات النفسية إلا عندما يتفاعل هذا الاستعداد مع عوامل بيئية مرهقة، مثل الصدمات النفسية أو التوتر المزمن. لذا، نجد أن هذا النموذج يفسر لماذا لا يُصاب كل الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي مع الاكتئاب، وفي المقابل لماذا قد يتأثر البعض أكثر من غيرهم في ظروف حياتية متشابهة.

وتجدر الإشارة في هذا الشأن إلى أمثلة من الدراسات التي توصلت إلى نتائج متشابهة بخصوص تكامل العوامل الوراثية مع البيئية من أجل ظهور أعراض الاكتئاب.

في دراسة منشورة في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية (JAMA)، تم تتبع مجموعة كبيرة من المراهقين لتحليل مدى تأثير العوامل الوراثية والبيئية على الإصابة بالاكتئاب. وأظهرت نتائج هذه الدراسة أن من لديهم استعداد جيني وفي نفس الوقت كانوا في بيئات مليئة بالتوتر كانوا أكثر عرضة لتطور أعراض اكتئابية شديدة. وفي المقابل تشير الدراسة إلى أن وجود دعم اجتماعي وبيئة إيجابية يخفّف من تأثير الاستعداد الوراثي للاكتئاب، مما يعزز فكرة دور البيئة المهم والوقائي من الإصابة بالاكتئاب.

وعلى جانب آخر توضح دراسة منشورة في الجمعية السعودية لعلوم الحياة "Saudi Journal of Biological Sciences" عام 2022 أن هناك جينات مرتبطة بالاكتئاب مثل SLC6A4 وCOMT، إلا أن وجود هذه الجينات وحده لا يعني بالضرورة أن تؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب، ولكن العامل المؤثر على عمل هذه الجينات هو التفاعل مع العوامل بيئية المحيطة مثل صدمات الطفولة، وأن هذا التأثير على طريقة عمل الجينات يُعرف بالتعديلات اللاجينية، والتي تغيّر التعبير الجيني دون تغيير في تسلسل الحمض النووي.

هذه النتائج مجتمعة تبرز أهمية النظر للاكتئاب من منظور شامل يأخذ بعين الاعتبار كلًّا من الاستعداد الوراثي والتجارب البيئية، مما يفتح المجال لتطوير استراتيجيات وقائية وعلاجية أكثر دقة وفعالية.

تشير هذه النتائج إلى ضرورة فهم الاكتئاب كاضطراب متعدد الأبعاد، يتأثر بمزيج من العوامل الوراثية والظروف الحياتية المحيطة. فبدلاً من اعتبار الاكتئاب حالة ناتجة عن سبب واحد، يُنظر إليه اليوم كنتاج لتفاعل معقد بين الجينات والتجارب الحياتية، وهو ما يستدعي اتباع نهج علاجي وقائي يأخذ في الحسبان هذا التداخل.

هذا الفهم الأوسع لتأثير الجينات والبيئة في الإصابة بالاكتئاب يفتح الباب أمام تصميم برامج علاج أكثر تخصيصاً واستجابة لحاجة كل فرد، اعتماداً على خلفيته الوراثية وظروفه النفسية والاجتماعية.

خطوات وقائية لمواجهة الاكتئاب الوراثي

انطلاقاً من هذا الفهم لارتباط الاستعداد الوراثي بالاكتئاب وأهمية العامل البيئي المحيط، من المهم أن يكون الأفراد الذين لديهم تاريخ عائلي مع الاكتئاب أكثر وعياً تجاه صحتهم النفسية من خلال الخطوات التالية:

  • المبادرة بالوقاية: وذلك من خلال المتابعة الطبية المنتظمة وطلب الدعم النفسي عند الحاجة، وحتى إذا لم تكن تعاني من اضطرابات الاكتئاب في الوقت الحالي، يمكنك طلب الدعم لفهم طرق الوقاية إذا كان لديك تاريخ وراثي عائلي مع الاكتئاب.
  • الوعي بالتاريخ العائلي: إن فهم خلفية عائلتك مع الاكتئاب يُعد خطوة أساسية في الوقاية، إذ يمكنك رصد التغيرات في حالتك النفسية والتصرف مبكراً عند ملاحظة أي علامات غير معتادة.
  • الاستشارة النفسية الوراثية: اللجوء إلى مستشار نفسي مختص في العوامل الوراثية قد يساعدك على تقييم احتمالية تعرضك للاكتئاب بناءً على تاريخك العائلي، كذلك يتيح لك مناقشة خيارات الوقاية وخطط الدعم الملائمة لاحتياجاتك الشخصية.
  • نمط حياة صحي: لا يجب إغفال تبني نمط حياة صحي للوقاية من الاكتئاب، ويشمل نظاماً غذائياً متوازناً وممارسة النشاط البدني بانتظام والحصول على قسط كافٍ من النوم.

هل الاستعداد الوراثي يعني حتمية الإصابة بالاكتئاب؟

وأخيراً، إذا كان سؤال "هل الاكتئاب وراثي؟" ما زال يشغل بالك، فالإجابة هي لا. فلا يعني وجود عوامل وراثية أنك ستُصاب بالاكتئاب حتماً، لأن الواقع أكثر تعقيداً من ذلك. فالاكتئاب هو نتيجة لتفاعل بين العوامل الجينية وظروف الحياة والتجارب الشخصية. صحيح أن الجينات قد تزيد من احتمالية الإصابة، لكنها لا تحدد مصيرك بشكل قاطع.

وتذكّر دائماً، أن الاستعداد الوراثي لا يعني حتمية الإصابة بالاكتئاب. فيمكنك أن تحمي صحتك النفسية من خلال الاهتمام بجودة حياتك اليومية كما ذكرنا في هذه المدونة.

ولكن إذا شعرت أنك بحاجة لمن يستمع إليك أو يرشدك، فيمكنك التواصل مع فريق من الممارسين الصحيين المرخصين ذوي الخبرة الموجودين دائماً في تطبيق استنارة. احجز جلستك بضغطة زر، لكي تمتع بمساحة آمنة وسرية تماماً للحوار بفضل أعلى معايير الخصوصية وحماية البيانات.